منتدى سبل السلام لأصدقاء بوعلي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بوعلي يلهمك ويوفر لك ما تحتاج اليه فلا تتردد في التسجيل


3 مشترك

    نشأة النحو

    المدير
    المدير
    Admin


    المساهمات : 42
    تاريخ التسجيل : 04/01/2010
    العمر : 42
    الموقع : www.islamweb.net

    نشأة النحو Empty نشأة النحو

    مُساهمة  المدير الأربعاء يناير 27, 2010 10:11 pm

    نشأة النحو وتطوره
    Ditulis oleh حافظ أفريليان سانتوسا
    Rabu, 28 Oktober 2009 15:06
    المقدمة
    العرب هم أمة قديمة العهد لا يزال جيلها متميزا وأصل موطنها شبه الجزيرة العربية ، وكانوا ينطقون باللغة العربيبة وهي إحدى اللغات السامية وأقربها إلي أصلها. ولقد فضل الله العرب بأن جعل خاتم أنبيائه عربيّا وجعل كتابه المبين باللغة العربية ، وأنه تعالى قد توعد بحفظ ذلك الكتاب بقوله (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) فنالت العربية شرف البقاء ببقاء القرآن ولأنه نزِّل بالعربية.

    وعندما طلعت شمس الحضارة الإسلامية على أرجاء الدنيا ، حرصت وتنافست همم المسلمين والغيورين في الدين في الحفاظ على هذا الدين الحنيف ، ومن ضمنه الحفاظ على اللغة العربية ، فنبتت الدراسات اللغوية قاطبة في خدمة الدين والقرآن الكريم. ومن هذه الدراسات دراسات نحوية . وقد روي لنا التاريخ جهود العلماء في وضع مباحث هذا العلم واستكمال قواعده وقوانينه إلى أن نضجت واستوت على سوقه ونال قبولا مفتوحا وشرفا مستطيلا من بين المسلمين ، حتى حق له أن يقال بأنه "أبو العلوم العربية".

    علم النحو

    نبدأ بحثنا بتعريف علم النحو لأن لا يغمض ما يطلع أمامنا من أمور ، وكلمة النحو في اللغه يدور معناها حول القصد والمثل والجهة والمقدار والقسم. أما اصطلاحا فهناك تعريف للمتقدمين وللمتأخرين عنهم. أما تعريف النحو عند المتقدمين فهوالعلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها. وهذا التعريف يشمل النحو والصرف كما هو معلوم في شأنه الأول . أما تعريف المتأخرين فهو علم يبحث فيه عن أحوال أواخرالكلم إعرابا وبناء وموضوعة الكلم العربية من حيث مايعرض لها من الإعراب والبناء[1] . وبحثنا يشمل التعريفين على حسب ما تعرض للنحو من تطورات وتغيرات عبر القرون والأحقاب.

    وضع النحو

    من المسلم به أن العلم لا ينبت ولا يرقى قيثمر في الفضاء بلا أي ظاهرة وباعث ، وكذالك الشأن في هذا العلم . فإنه وضع عندما شاع اللحن على ألسنة من نطق بالعربية من العرب و العجم المستعربين ، وكان مبدأ ظهور اللحن منذ عصر النبوة على يد الموالي والمتعربين ، وكان أول ما وقع فيه اللحن الإعرابُ. قال أبو الطيب اللغوي المتوفي سنة 351 هـ (( واعلم أن أول ما اختل من كلام العرب فأحوج إلى التعلّمِ الإعرابُ لأن اللحن ظهر في كلام الموالي والمتعربين فقد روينا أن رجلا لحن بحضرته فقال "أرشدوا أخاكم))"[2] إلا أنه في ذلك كان قليلا فلم يحتج إلى قواعد تقوم ألسنتهم

    ثم استمر ظهور اللحن في عصر الخلفاء الراشدين وبني أمية ، نتيجة لكثرة اختلاط العرب بغيرهم من الأمم. قال ابن جني المتوفى 392هـ (( روي أن أحد ولاة عمر[3] كتب إليه كتابا لحن[4] فيه، مكتب إليه عمر أن قَنِّعْ[5] كاتبك[6] سوطا))[7]. وروي أن أعرابيا دخل السوق فسمعهم يلحنون فقال : العجبُ، يلحنون ويربحون[8]. ولكثرة وقوع اللحن على الألسنة في ذلك الزمان حتى قيل إنه لا يسلم من اللحن إلا خط يسير منهم ، قال الأصمعي المتوفي 216 هـ ((أربعة لم يلحنوا في جدّ ولا هزل : الشعبي ، وعبد الملك بن مروان ، والحجاج بن يوسف ، وابن القرية ، والحجاج أفصحهم))[9]

    البواعث على وضع القواعد النحوية

    قال ابن خلدون في مقدمته ((لما جاء الإسلام وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول ، وخالطوا العجم ، تغيرت تلك الملكة بما ألقى إليها السمع من المخالفات التي للمتعربين ، والسمع أبو الملكات اللسانية ، ففسدت بما أُلقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع ، وخشي أهل الحلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسا ويطول العهد فينغلق القرآن والحديث على الفهوم ، فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكةممطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه منها بالأشباه مثل إن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب والمبتدأ مرفوع ، ثم رأوا تغيّر الدلالة بتغيّر حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعرابا وتسمية الموجب لذلك التغير عاملا وأمثال ذلك، وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة ، واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو))[10]

    ويمكم الاستنتاج من تلك الكلمة القاطعة بواعث تدفع المسلمين على وضع القواعد النحوية، وهي:

    1. الرغبة الشديدة من المسلمين في الحفاظ على القرآن وعلى الوعاء الذي أنزل القرآن فيه ، وهو اللغة العربية.

    2. حاجات الناس الماسة إلى اللغة العربية نمقا وكتابة ، لأن اللغة العربية أصبحت آنئذٍ اللغة الرسمية للدولة.

    3. فشو اللحن على ألسنة من نطق بالعربية.



    متى بدأت البذور الأولى لوضع النحو وأين يكون ذلك؟

    ذهب أحمد بن فارس المتوفى 396 هـ إلى أن النحو قديم قدم خلق الإنسان ، إذ أن العرب العاربة كانت عندهم معفرفة بمصطلحات النحو بتوقيف من قبلهم وأن من قبلهم تعلموا هذا بتوفيق من الله تعالى واستدلوا لذلك بقوله تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها[11] ) فتلفق العرب خلفهم عن سلفهم ولذا كانوا يتأملون مواقع الكلم ، فلم يكن كلامهم استرسالا أوترخيما بل كان عن خبة بقانون العربية ، فالنحو قديم قدم البشرية[12]. ولكني أرى أن فيما ذهب إليه ضعفا من بعده ضعفا آخر.

    والتحقيق الذي عول عليه الجمهور وهم الراجح أن علم النحو وضع في الصدر الأول للإسلام لأنه لم يكن قبل الإسلام ما يحمل العرب على النظر إليه لأنهم كانوا حينذاك ينطقون عن سليقة جبلوا عليها ، في حين أنهم بعد الإسلام اختلطوا بالفرس والروم فحلّ بلغتهم من اللحن ما جعلهم يهرعون إلى وضع النحو.[13]

    وبناءً على الرأي السابق، أرى أنّ النحو وضع في بلاد العراق، وساعد على ذلك عوامل ، منها : أن العراق كانت موطن العجم قبل الفتح ، وكان أشد البلاد إصابة بوباء اللحن وأكثرها تعرضا لأرزائه لأنها صارت مهبط العرب الراغبين في الحياة الناعمة ، فإذا ما أضيف إلى هذا ما كان لأهل العراق من قديم من شغف بالعلم والمعرفة وتكريم العلم والعلماء اتضح السبب الذي أدى إلى ظهور التأليف في النحو في العراق ونموه وازدهاره فيه

    واضع هذا العلم

    اختلفت آراء الباحثين في واضع هذا العلم ، كما اختلفوا في واضع كل علم. فهناك فريق يرى أن أول من وضع هذا العلم وأسس قواعده وحدد حدوده هو عليّ بن أبي طالب ، و أنه دفع إلى أبي الأسود رقعة كتب فيها : الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمىّ والفعل ما أنبئ به والحرف ما أفاد معنى ، وقال له انح هذا النحو وأضف إليه ما وقع إليك ، ثم وضع أبو الأسود باب العطف والنعت ثم باب التعجب والاستفهام إلى أن وصل إلى باب ((أن)) ما عدا (( لكن)) فلما عرضها على الإمام عليّ أمره أن يضمّ "لكن" إليها وكلما وضع بابا من أبواب النحو عرضه على الإمام إلى أن حصل ما فيه الكفاية فقال : ما أحسن هذا النحو الذي نحوت" وروي أن سبب وضع عليّ للنحو أنه سمع أعرابيّا يقرأ "لا يأكله إلا الخاطئين".[14]

    ويذهب من يرون أن أول من وضع النحو هو علي بن أبي طالب إلى تأييد ما يرون بأن أكثر الروايات تسند إلى أبي الأسود ، وأبو الأسود يسند إلى عليّ ، وهناك روايات صريحة في هذا فقد روي عن أبي الأسود أنه سئل فقيل له : من أين لك هذا النحو؟ فقال لفقت[15] حدوده من عليّ ين أبي طالب.[16]

    وفريق آخر يرى أن أبا الأسود الدؤلي هو المؤسس لهذا العلم وأول من وضعه. فقد روي أنه جاء إلى زياد أمير البصرة فقال : إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وفسدت ألسنتها ، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم؟ فقال له زياد : لا تفعل ، قال فجاء رجل إلى زياد فقال : أصلح الله الأمير توفي أبانا وترك بنوناً فقال زياد : ادعُ لي أبا الأسود ، فلما جاءه قال له : ضع للناس ما كنت نهيتك عنه ففعل.[17]

    وروي أن أبا الأسود قالت له ابنته : ما أحسنُ السماءِ! فقال لها : نجومها ، فقالت إني لم أرد هذا ، وإنما تعجبت من حسنها ، فقال لها : إذن فقولي ما أحسنَ السماءَ! فحينئذ وضع النحو.[18]

    ونقول لهذين الرأيين أن لعليّ فضل إرشاد أبي الأسود والإشراف عليه وتقرير ما صحّ في استنتاجه وإرشاده إلى الأساس ، وأن لأبي الأسود فضل القيام بوضعه على ضوء هدى الإمام[19]

    أول ما وضع من أبواب النحو

    اختلف العلماء في أول ما وضع من أبواب النحو على رأيين :

    1. يرى الجمهور أن أول ما وضع من أبوابه هو ما وقع اللحن فيه ، ثم استمر الوضع بعد ذلك على النمط نفسه ، ولأن هناك روايات كثيرة فيما وقع اللحن فيه فإن تعيين الباب الموضوع أولا منوط بالرواية التي قوي سندها من بين الروايات

    2. ذهب بعض العلماء إلى أن أول ما وضع من أبواب النحو ما كثر دورانه على اللسان ، وذلك على الرغم من أن الفكر والاستنباط كانا متجهين آنذاك إلى استخراج القواعد من الكلام لداعي اللحن على وجه العموم بصرف النظر عن قرب ذلك أوبعده من الجاري الكثير على الألسنة ، ويهذا يكون الموضوع أولاً من أبواب النحو ما كثر جريان اللسان به ثم ما يليه وهكذا، ولذا قالوا إن الموضوع الأول الفاعل ثم المفعول به ثم المبتدأ والخبر وهكذا[20]

    تسمية هذا العلم بالنحو
    روت كتب الأدب والتراجم على سبيل اليقين أن هذا العلم كان يسمى بالعربية في عصر أبي الأسود ، قال ابن سلام في الطبقات : ((وكان أول من استن العربية ، وفتح بابها ، ,أنهج سبيلها ، ووضع قياسها أبو الأسود الدؤلي)) ، وقال ابن قتيبة في المعارف : ((أول من وضع العربية أبو الأسود الدؤلي)) فالتسمية بالنحو بعد عصره. إلا أنها لم تتجاوز الطتقة الثانية فقد اشتهرت عنها مؤلفات اتسمت بأنها نحوية ، وصرح فيها باسم النحو.

    أما سبب تسميته به فمرده إلى قول عليّ بن أبي طالب ((: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت)) فآثر العلماء تسمية هذا العلم بعلم النحو استبقاء لكلمة الإمام التي كان يراد بها أحد معاني النحو اللغوية ، والمناسبة بين المعنيين : اللغوي والاصطلاحي جلية.

    تدرج النحو بعد النشأة

    شهد التاريخ أن البصريين هم الذين تعهدوا النحو بعد مرحلة الوضع المبكرة بالعناية والرعاية قرابة قرن كانت فيه الكوفة منصرفة عنه إلى رواية الأشعار والأخبار والُملَح والنوادر ، ثم تكاتف الكوفيون والبصريون في السعي في مضمار هذا الفن مع التنافس في ذلك تنافسا لم يلبث أن يكون شديدا قرابة قرن آخر من الزمان وخرج بعد ذلك علم النحو تام الأصول كامل العناصر الأساسية، ثم هدأ التنافس بعد ذلك فتعاون المدرستان على استكمال مباحث النحو ونشرها إلى أطراف مترامية من بقاع الدولة، وأدى ذلك إلى ظهور مدارس أخرى وهي المدرسة البغدادية ،ثم الأندلسية ، والمصرية تشارك في هذ العمل الجليل وأخذت ترجح ما أودعه المدرستان من الأراء والعلل وأضاف الى النحو ما يهم له إلى أن استوت قواعد نحوية كما نراه اليوم.

    وقد ذهب المؤرخون إلى القول بأن النحو العربي مر بأطوار أربعة ، وهي طور الوضع والتكوين ، و طور النشوء والنمو، و طور النضج والكمال ، و طور النضج والكمال. وسوف أفرد الحديث عن كل ذلك.

    1. طورالوضع والتكوين

    صرف البصريون وحدهم الجهد في غرس البذور الأولى للنحو العربي ، وقد سبقوا غيرهم في إنجاز هذا العمل وذلك لأن البصرة قد فازت بقصب السبق في عهد الأمويين على غيرها، لأن سكان البصرة كانوا يناصرون الأمويين ، فيما كان الكوفيون أميل إلى الطاعة والهدوء وكانوا يناصرون العباسيين ، متمكن البصريون من حمل رئاسة العربية ، ولا سيما الإعراب.

    أضف إلى ذلك الموقع الجغرافي للبصرة، كانت البصرة أقرب مدن العراق إلى العرب الأقحاح الذين لم تلوث لغتهم بعامية الأمصار ، فعلى مقربة منها بوادي نجد غربا والبحرين جنوبا، والأعراب يفدون إليها منهما ومن داخل البصرة ، وليست كذلك الكوفة وبغداد ، فمكن هذا أهل البصرة من أن يأخذوا عن العرب دون أن يتكلفوا مشاق السفر. وقد تميز البصرة بقربهامن المربد ، وهو أشهر أسواق العرب في الإسلام كما كان عكاظ في الجاهلية ، وقد كان مجتمع الأعراب فيه يتبادلون مع أهل البصرة المنافع والآراء ويلتقي الحاضر بالبادي ويتسع المجال للقاء العلماء البصريين أعراب البادية والأخذ عنهم.[21]

    سار علماء هذا الطورفي البداية منهجا مبسطا ، إذ وضع أبو الأسود القواعد العامة في الأبواب التي سبقت الإشارة إليها مقصورة على السماع ، ثم تطور وأخذ ينهج منهج الاستنباط واستعمال القياس فوضعت كثيرا من أصول النحو ومسائله. واقتصرت مباحثهم – غالبا – على البحث في أواخر الكلمات لانتشار اللحن فيها وكانت المباحث النحوية ممتزجة بمباحث اللغة والأدب وغيرهما من فروع اللغة.

    ومن أعلام هذاالطور أبو الأسود الدؤلي (69 هـ) المؤسس لهذ العلم ، ونصر بن عاصم (89هـ)واضع نقط الإعجام ، وعنبسة الفيل (100 هـ) ، و عبد الرحمن بن هرمز (117 هـ) ، ويحي بن يعمر العدواني (129 هـ) ، و ابن أبي إسحاق الحضرمي (117) ، وعيسى بن عمر (149 هـ) ، وأبو عمرو بن العلاء (150 هـ). وعن علماء هذا الطور تلقى رؤساء أهل الكوفة النحو.

    2. طور النشوء والنمو

    يعتبر هذا الطور مشتركا بين المدرستين البصرية والكوفية ويبدأ من عهد الخليل بن أحمد (175 هـ) وأبي جعفر الرؤاسي (175 هـ) وفي هذا الطور ثلاث طبقات لكل من البصريين (الثالثة ، والرابعة ،والخامسة) والكوفيين (الأولى ، والثانية ، والثالثة).

    ومن أشهر النحاة في هذا الطور من البصريين الطبقة الثالثة : الأخفش الأكبر (172 هـ) والخليل بن أحمد (175 هـ) ويونس بن حبيب (182 هـ) ومن الطبقة الرابعة : سيبويه (180 هـ) ، و اليزيدي (182 هـ) ، والأصمعي (216 هـ) ومن الطبقة الخامسة : الأخفش الأوسط (211 هـ) وقطرب (206 هـ).

    أما من النحان الكوفيين الطبقة الأولى أبو جعفر الرؤاسي (175 هـ) ومعاذ الهراء (187 هـ) ومن الطبقة الثانية منهم الكسائي (189 هـ) ومن الطبقة الثالثة منهم الأحمر (194 هـ) والفراء (207 هـ) واللحياني (220 هـ)[22]

    وقد اتسعت المباحث في هذا الدور اتساعا تطلبه الزمان وقانون الارتقاء ، ومخلصها ما يلي:

    ‌أ- امتد البحث في هذا الطور إلى الصيغ والأبنية كما اتسعت مباحث الإعراب وقطعت شوطا بعيدا وأن اندرجت مباحث الأبنية والصيغ في مباحث النحو، فكان علم النحو يعم الاثنين.

    ‌ب- استقل علم النحو عن المباحث اللغوية الأخرى من أمثال علم اللغة والأدب والأخبار.

    ‌ج- اشتدت المنافسة بين المدرستين البصرة والكوفة واختلفت نزعة كل عن الأخرى في وضع القواعد والمقاييس والمصادروالتعليلات وحرصت كل مدرسة على أن تفوز في الغلبة على الأخرىبشرف استكمال هذا العلم

    ‌د- كان للكوفيين فضل السبق في علم الصرف على يد الرؤاسي ، فقد عنوا بمسائله حتى فاقوا فيه على البصريين، وستقوهم إلى استنباط كثيرمن قواعده

    ‌ه- كثرت في هذا الدور المؤلفات النحوية ، إذ انتشرت حركة التأليف ، و من أشهرما وصل إلينا منه كتاب العين للخليل ، وقرآن النحو لسيبويه ، والمقاييس الأوسط للأخفش ، والفيصل للرؤاسي ، والمصادر للكسائي ، ومعاني القرآن للفراء.[23]

    3. طور النضج والكمال

    يبدأ هذاالدور من عهد كل من الجرمي البصري (225 هـ) وابن سعدان الكوفي (231 هـ) إلى عهد المبرد (285 هـ) وثعلب (291 هـ) ويوجد في هذا الطور طبقتان لكل من البصريين السادسة والسابعة ، والكوفيين الرابعة والخامسة.

    وهذا الطور كان ملتقى علماء النحو في بغداد ، إذ هاجروا من البصرة والكوفة إلى بغداد بسبب الاضطرابات ، فدخلت بغداد ميدان دراسة النحو مع البصرة والكوفة ، وكان يجتمع الفريقان فتحدث بينهما المناظرات والمنافسات والأحقاد ، واجتهد كل فريق في تأييد مذهبه ، و إن خفت بعد ذلك حدة العصبية ، وهدأت بعد المبرد وثعلب. وكان الترجيح بين المذهبين من أهم خصائصه.

    وقد انفصلت في هذا الطور المباحث النحوية عن الصرفية فأصبح لكلٍّ مبحث مستقل، و أول من سلك هذا الطريق المازني (247 هـ) حيث ألف في الصرف وحده وأن تعددت المسالك بعده في المباحث ، فمنهم من سلك مسلكه فألف في الصرف وحده ، ومنهم من خلط بين الاثنين إلا أنه قدم النحو أولا ثم تحدث عن الصرف بعد ذلك وهذا الاتجاه هو المسيطر. كما أكملوا ما فات السابقين ففصلوا ما أجملوا وبسطوا ما أبهموا فأكملوا التعريفات وهذبوا الاصطلاحات.

    ألف في هذا الطور كثير من المؤلفات التي تحكي المسائل الخلافية بين المذهبين ففتحت الأبواب بعد ذلك للمؤلفين في هذا النوع من الموضوعات.

    ومن أعلام هذا الطور من المدرسةالبصرية السادسة الجرمي (225 هـ) والمازني (247 هـ) والرياشي (257 هـ)ومن الطبقة السابعة منها المبرد (285 هـ). أما من المدرسة الكوفية الرابعة فابن سعدان (231 هـ) وابن السكيت (244 هـ) ومن الطبقة الخامسة منها الثعلب (291 هـ).

    4. طور الترجيح

    وهو الطور الأخير من الأطوار التي مر بها النحو العربي. وقد حمل لواء النحو في هذا الطور المدرسة البغدادية والأندسية والمصرية. قد بدأ هذا الطور من أوائل القرن الرابع الهجري و يمتد إلى أن يقبض الله من على الأرض من مجتهدي علم النحو، وقد اختلفت مشارب علماء هذا الطور تبعاً لمن تتلمذوا عليه فمنهم من أخذ عن البصريين فغلبت النزعة البصرية عليهم ، ومنهم من أخذ عن الكوفيين فغلبت النزعة الكوفية عليهم ، ومنهم من أخذ عن المذهبين ورجّح آراءهم المختلفة المتباينة فكانوا قد تحرّوامن قيود العصبية. ونذكر ما للبغداديين من هذه المجموعات.

    ‌أ- البغداديون أصحاب البصريين : الزجاج (311 هـ) وابن السراج (316 هـ) والجاجي (339 هـ) وابن درستويه (347 هـ) و السيرافي (368 هـ) والفارسي (377 هـ)

    ‌ب- والبغداديون أصحاب الكوفيين : ابن الأنباري (327 هـ) وابن خالويه (370 هـ)

    ‌ج- والبغداديون الذين تحروا عن قيود العصبية : ابن قتيبة (268 هـ) وابن كيسان (299 هـ) والأخفش الصغير (315 هـ)[24].

    كانت القواعد التي عول فيها المدرسة البغدادية على المدرسة البصرية كثيرة، حتى اعتبر البعض بأن هذه المدرسة كانت امتدادا لها. فمعظم علمائه – كما لمحت سابقا – اتبعوا البصريين ورجحوا قواعدهم. أما القواعد التي عولوا فيها على الكوفيين فقليلة.

    ومن الجدير بالذكر أن تحديد هذه الأطوار هو أمر تقريبي لا تحقيقي إذ ليس في مقدور أحد أن يفصل كل طور عما يسبقه أو يعقبه ، فالأطوار متداخلة وسريان بعض أحكام السابق على اللاحق أمر وارد ، لأن لكل طور مقدمات وممهدات ، ومؤثرات ، كلها تتجمع وتتكاثف وتتزايد ، وإذ بطابع العام تتغير صورته ويدخل العلمي في طور جديد تتحدد معالمه بمرور الوقت وفوات الزمان.

    النحاة المتأخرون

    كان العلماء قد اصطلحوا على أن انفراط عقد المدرسة البغدادية وتفرق علمائه في الأمصار بعد أن تضعضع ِشأن الخلافة العباسية بغلبة البويهيين عليها في النصف الأول من القرن الرابع الهجري عام 334 هـ هو الحد الفاصل بين المتقدمين والموتأخرين من النحويين.

    فالمتأخرون من النحاة هم الذين تحملوا عبء النهضة به من علماء المدرسة الأندلسية ، والمصرية ، وما بعدهما من جهود علماء النحاة في شتى بقاع الأرض في انجازهم العمل الشاق.

    الخاتمة

    من خلال ما جمعت وأوردت عن نشأة النحو وتطوره يتبيّن جليّاً أنّ النحو وُضِع ونشأ واستغلظ في رحاب القرآن الكريم، فقد رأى أهل الغيرة غلى القرآن الكريم والسنة النبوية ، أنهم إن لم يتلافوا هذه اللغة العربية فإنّ سرطان اللحن والرطانة سيقضي عليها. ذلك أن اللحن كان قد تسرّب إلى ألسنة كثير من العرب جرّاء الفتوحات واندماجهم بالأمم التي اعتنقت الإسلام وخضعت بلادها للخلافة الإسلامية. وخافوا أن يتوافد ألحانهم التي أحدثوها إلى القرآن الكريم وأدى إلى الخطأ في فهمه واستنباط أحكامه.

    كما يتضح أمامنا أن النحو كان في أول الأمرمحصورا على ما اقتضته الحاجات البشرية ثم تطور وأخذ عباقرة العلماء نصيبهم في في استكمال هذا العلم. فصعد النحو أطواره ومكثت في المدارس التي كانت لها السهم البين في ذيوع هذا العلم وانتشاره.

    فأيّاً كان استفادنا من هذا البحث المتواضع، فليس لنا ولعشاق العربية بدٌّ في أن يحيوا هذا العلم ويحبِّبوا الناس أليه، فيطلعوا على علوم أوائلهم في معرض بهي ترضى عنه نفوسهم ، ليرتبط حاضرهم بماضيهم وليدركوا أن قومهم لم يقصّروا. وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم الوفق إلى أقوم الطريق.

    ثبت المصادر والمراجع

    1. حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية اين مالك، الطبعة الأولى ، دار الفكر 1999 م.

    2. الموجز قي نشأة النحو ، محمد الشاطر أحمد محمد، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة 1983م.

    3. الوسيط في تاريخ النحو العربي، الأسعد ى، عبد الكريم محمد ، دار الشواف ، الرياض 1992 م.

    4. مراتب النحويين ، أبو الطيب اللغوي ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ، مكتبة النهضة مصر 1955 م.

    5. البيان والتبيين ، الجاحظ ، تحقيق عبد السلام هارون ، ط2 ، الخانجي بمصر 1960 م.

    6. المقدمة : ابن خلدون ، دار الشعب بالقاهرة ، بدون تاريخ.




    [1] انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية اين مالك ص 29.

    [2] أبو الطيب اللغوي، مراتب النحويين 5، وفي الخصائص 2:8 "أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل".

    [3] هو أبو موسى الأشعري وكان والي عمر بالبصرة.

    [4] اللحن كان في كتابة كاتب الوالي (( من أبو موسى الأشعري)).

    [5] قنع: اضرب.

    [6] الكاتب اللاحن هو الحصين بن أبي الحُرّ العنبري.

    [7] الخصائص 2: 8.

    [8] الجاحظ ، البيان والتبيين 2 : 219.

    [9] معجم الأدباء 1 : 80.

    [10] ابن خلدون ، المقدمة 515.

    [11] سورة البقرة 39.

    [12] الموجز قي نشأة النحو ، محمد الشاطر أحمد محمد ص 18.

    [13] الوسيط في تاريخ النحو العربي ، الدكتور عبد الكريم محمد الأسعد.

    [14] انظرالموجز قي نشأة النحو ، محمد الشاطر أحمد محمد ص 17.

    [15] لفقت : أي أخذت.

    [16] انظر نزهة الألباء 11.

    [17] المرجع السابق ص 29.

    [18] الوسيط في تاريخ النحو العربي، عبد الكريم محمد الأسعد ص 30

    [19] المرجع السابق.

    [20] المجع السابق ص 27.

    [21] انظرالموجز قي نشأة النحو ، محمد الشاطر أحمد محمد ص 23

    [22] الموجز قي نشأة النحو ، محمد الشاطر أحمد محمد ص 49 – 68 بتصرف

    [23] المرجع السابق.

    [24] الموجز قي نشأة النحو ، محمد الشاطر أحمد محمد ص 87-97 بتصرف
    المدير
    المدير
    Admin


    المساهمات : 42
    تاريخ التسجيل : 04/01/2010
    العمر : 42
    الموقع : www.islamweb.net

    نشأة النحو Empty عناية المسلمين بالنحو خدمة للقرآن

    مُساهمة  المدير الأربعاء يناير 27, 2010 10:40 pm

    عناية المسلمين بالنحو خدمةً للقرآن
    أ.د. أحمد الخراط

    اكتسب المسلمون معارف غزيرة من الوحي الكريم، وكان من ثمار ذلك توجُّههم نحو طلبِ العلم والسعي في مدارسته، ومن هنا جاء الحرص على خدمة القرآن الكريم، بحسب ما توفَّر لديهم من وسائل وقدرات علمية.

    اكتسب المسلمون معارف غزيرة من الوحي الكريم، وكان من ثمار ذلك توجُّههم نحو طلبِ العلم والسعي في مدارسته، ومن هنا جاء الحرص على خدمة القرآن الكريم، بحسب ما توفَّر لديهم من وسائل وقدرات علمية.

    وإذا كان جَمْعُ القرآن يمثل الخطوة الأولى في سبيل العناية بالقرآن الكريم، فإنَّ وَضْعَ علم النحو يمثل الخطوة الثانية في سبل المحافظة على سلامة أداء النص القرآني، بعد أن أخذ اللحن يشيع على ألسنة الناس [1]، ولم يكن نزول الوحي الكريم قلبًا للجوانب العَقَدية في حياة الناس فحسب، بل كان أيضًا قلبًا للعادات اللغوية التي نشؤوا عليها، إذ واجه العرب في قراءة القرآن ظواهر لم يكونوا في سلائقهم التي فُطِروا عليها متفقين، وكان منها تعدُّد اللهجات، واختلافها في القرب مِنْ لغة القرآن أو البعد عنها، ولهذه اللغة من قواعد النطق ما لايسهل إتقانُه على جميع المتلقِّين يومئذ، ولابد لهم من المران حتى يألفوا النص الجديد [2].

    وقد أجمع الذين تصدَّوا لنشأة علوم العربية على أنَّ القرآن الكريم كان الدافع الرئيس لعلماء السلف لوَضْع علم النحو والإعراب؛ وذلك لأنَّ ظهور اللحن وتَفَشِّيه في الكلام، وزحفه إلى لسان مَنْ يتلو القرآن، هو الباعث على تدوين اللغة، واستنباط قواعد النحو منها، وعلم العربية شأنه شأن كلِّ العلوم تتطلبه الحوادث والحاجات [3]، وليس ثمة من علم يظهر فجأة من غير سابقةِ تفكير وتأمُّل فيما يتعلق به، وهذا قد يستدعي غموض نشأة بعض العلوم ومعرفة واضعها التي ابتدأها.

    ويعود التفكير في علم النحو إلى ظاهرة شيوع اللحن والخشية على القرآن منها؛ وذلك لأنَّ رغبة العرب المسلمين في نشر دينهم إلى الأقوام المختلفة أنشأ أحوالاً جديدة في واقع اللغة، ما كان العربُ يعهدونها من قبل، إذ كانت الفطرة اللغوية قبل الإسلام سليمةً صافية. واستمر الحال على هذا في عصر نزول القرآن، بَيْدَ أن الرواة يذكرون أنَّ بوادر اللحن قد بدأت في الظهور في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    ومن تلك الروايات أنَّه سمع رجلاً يلحن في كلامه فقال: (أَرْشِدوا أخاكم) [4]. ويورد الدارسون بعض الروايات على تَسَرُّب اللحن إلى ألسنة الناس في عهد الخلفاء الراشدين، وذلك أثر من آثار اختلاط العرب الفصحاء بغيرهم من الشعوب غير العربية، ممَّا أضعف السليقةَ اللغوية لديهم.

    ويروي القرطبي [5] عن أبي مُلَيكة أنَّ أعرابيًا قدم في زمان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقال: مَنْ يُقرئني ممَّا أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- ؟ قال: فأقرأه رجلٌ سورة براءة، فقرأ ﴿.. أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهٌُ﴾ [التوبة:3] بجرِّ « رسوله ».
    فقال الأعرابي: أوقد بَرِئ الله من رسوله؟ فإن يكن الله بَرئ من رسوله فأنا أبرأُ منه.
    فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه فقال: يا أعرابيُّ، أتبرأ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمْتُ المدينة، ولاعلمَ لي بالقرآن فسألت: مَنْ يقرئني؟ فأقرأني هذا سورة براءة فقال: «أنَّ الله بريء من المشركين ورسولِه». فقلت: أوقد بَرِئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه.
    فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي. قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ قال: ﴿وَرَسُولُهٌُ﴾. فقال الأعرابي: وأنا أبرأ ممَّن برئ الله ورسولُه منه، فأمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ألاَّ يُقرئَ الناسَ إلا عالمٌ باللغة، وأمر أبا الأسود فوضع النحو.

    ومع مرور الأيام تفشو ظاهرة اللحن في القرآن الكريم، إلى أن أصبحت بلاءً عامًا لايخلو منه لسان كثير من الفصحاء، حتى الذين تربَّوا في البادية، فقد روى يونس بن حبيب أنَّ الحجَّاج قال ليحيى بن يعمر: أتسمعني ألحن على المنبر؟ قال يحيى: الأمير أفصح من ذلك، فألحَّ عليه فقال: حرفًا. قال الحجَّاج: أيًا؟ قال: في القرآن. قال الحجَّاج: ذلك أشنع له، فما هو؟ قال: تقول: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ..ٌ﴾ إلى قوله: ﴿أَحَبٌَّ﴾ [التوبة:24]، فتقرؤها « أحبُّ » بالرفع، والوجه أن تُقرأ بالنصب على خبر كان [6].

    ويذكر أنَّ الحجَّاج قرأ "إنا من المجرمون منتقمون" [7] وكان كثير من أبناء العرب وُلِدوا لأمهات غير عربيات، فنشأ جيل من هؤلاء الأبناء لديه استعداد لكي يلحن في القرآن وغيره، ممَّا جعل الحاجَة تمسُّ للبدء في وضع ضوابط يُعْرف بها الصواب من الخط [8].

    ويمكن أن نضيف إلى هذه العوامل ما شاع في الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية، إذ كان فيه مجموعة من اللغات المتداولة إلى جانب العربية، منها الفارسية والسريانية، وهذا الوسط الاجتماعي سوف يشهد تزاوجًا طبيعيًا بين عناصره من اللغات المختلفة، ممَّا أدى إلى اتساع الفوارق بين اللغة الفصيحة واللغة المحكيَّة [9]، ومثل هذه الفوارق تُقلق أصحاب الغَيْرة على لغة القرآن، وبذلك ترتبط نشأة النحو بجذور الحياة الإسلامية في ذلك الزمن.

    وتختلف الروايات وتتضارب في تحديد أول مَنْ شرع يُسَجِّل بعض الظواهر النحوية، أو يبني شيئًا من الضوابط الأولية في فهم العلاقات بين عناصر التركيب اللغوي.

    يقول الزبيدي [10]: «فكان أولَ مَنْ أصَّل ذلك، وأعمل فكره فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هُرْمز، فوضعوا للنحو أبوابًا وأصَّلوا له أصولًا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف، وكان لأبي الأسود في ذلك فضل السبق وشرف التقدم، ثم وصل ما أصَّلوه من ذلك التالون لهم والآخذون عنهم، فكان لكل واحد منهم مِن الفضل بحسبِ ما بَسَط من القول ومَدَّ من القياس وفَتَقَ من المعاني وأوضح من الدلائل، وبيَّن من العلل».

    ومرَّ بنا قبل قليل رواية تُرجع الأمر إلى الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إذ أمر أبا الأسود بوضع النحو، كما روي عنه أنَّه كتب إلى أبي موسى الأشعري، ليوجِّه مَنْ يختاره لتعليم العربية؛ فإنها تدلُّ على صواب الكلام [11].

    وذكر صاحب "مراتب النحويين" [12] أنَّ أبا الأسود أخذ النحو عن علي –رضي الله عنه- لأنَّه سمع لحنًا، فقال لأبي الأسود: اجعل للناس حروفًا، وأشار إلى الرفع والنصب والجر.

    وذكر صاحب "نزهة الألباء" أنَّ عليًّا سمع أعرابيًا يقرأ "لايأكله إلا الخاطئين" [13] فوضع النحو.

    ويقول الدكتور محمد خير الحلواني: «ترجع قيمة أبي الأسود الدؤلي في تاريخ النحو إلى أنَّه هو أولُ مَنْ اتجه بالدراسة اللغوية إلى الاستقراء والاستنباط، وكانت قبله تقوم على محاكاة الأعراب والاختلاط بهم، وحِفْظ الشعر والأنساب، فتحوَّل بها إلى وضع الضوابط الدقيقة، ورَصْد الظواهر المتبدِّلة في تراكيب العربية» [14].

    ارتبطت المعالم النحوية التي تركها أبو الأسود بواقع الحياة اللغوية البسيطة في عصره، وقد عُني في معالمه هذه بدَفع اللحن عن قراءة القرآن، حيث استخرج ضوابط الإعراب بحسب ما توفرَّ لديه من قدرات ووسائل [15].

    وينفي الدكتور شوقي ضيف [16] أن يكون لعصر أبي الأسود علاقة بالشروع في بناء الظواهر النحوية. ولسنا في مقام تحقيق هذه النسبة، بيد أنَّه يهمنا أن نشير إلى إجماع المؤرخين قديمًا وحديثًا إلى أنَّ الدافع الرئيس لهذه النشأة إنما هو قراءة القرآن على نحوٍ صحيح، وتَفَشِّي اللحن لدى عامة المسلمين وخاصَّتهم.

    وقد تحدث ابن خلدون في "مقدمته" [17] عن فساد السليقة العربية ممَّا أدَّى إلى وقوع اللحن في القرآن، وشروع العلماء في حِفْظ اللسان، ولكنه لم يُحَدِّد مَن الذي بدأ هذه الجهود، يقول: «لمَّا فسدت مَلكة اللسان العربي في الحركات المسمَّاة عند أهل النحو بالإعراب، واستُنْبطت القوانين لحفظها... فاسْتُعْمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم، مَيْلاً مع هِجْنة المستعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية، فاحتيج إلى حِفْظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس، وما ينشأ عن الجهل بالقرآن والحديث، فَشَمَّر كثير من أئمة اللغة واللسان لذلك وأَمْلَوا فيه الدواوين».
    فابن خلدون يُنَوِّه بهمَّة علماء اللغة في تدوين ما توصَّلوا إليه من نظرات؛ بُغْيَةَ تيسير تلاوة القرآن وفَهْمه.

    وفي موضع آخر من "مقدمته" ينصُّ على الدافع الرئيس من وراء هذه الحركة العلمية، فيقول [18]: «وخشي أهل العلوم منهم أن تَفْسُدَ تلك المَلَكة رأسًا ويطول العهد بها، فينغلق القرآن والحديث على المفهوم، فاستنبطوا مِنْ مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطَّردة شبهَ الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام وبذلك تكون الخطوة الأولى في صَرْح تأسسيس علم النحو بمنزلة ردٍّ مباشر لتسرب اللحن إلى اللسان العربي بعامة، وإلى القرآن بخاصة، ولابدَّ أن يكون قد صاحَبَ ذلك جهود تمثَّلَتْ في تأمُّل اللغة والنظر في مفرداتها وتراكيبها وشواهدها، فنجم عن تلك الجهود النواة الأولى لعلم النحو والإعراب، وكان الشروع في ضوابط العربية مِنْ قِبَل أصحاب النظر في اللغة. وازدهرت لإنجاز هذه المهمة حركة علمية واسعة، وهذا يدلُّ على شعور بالحاجة اللغوية وبروز التناقض بين المثال المتجسِّد في لغة القرآن والواقع الذي صارت إليه اللغة على ألسنة الناس [19].

    والحقيقة أنَّ كلَّ الروايات التي يسردها المؤرخون مفادُها تعثُّر قَرَأة كتاب الله مِن عامة الناس وخاصتهم، وهي تفسيرٌ لمشاعر الخوف الذي لابس المسلمين مِنْ جرَّاء شيوع اللحن.

    ويضاف إلى العوامل السابقة في نشأة النحو الحاجة إلى فهم مناحي التركيب اللغوي ليصار إلى التعامل مع القرآن والاستنباط من أحكامه، وقد عدَّ العلماء الإحاطة بعلوم اللغة والنحو والتصريف من العلوم الرئيسة التي يحتاج إليها المفسِّر لكتاب الله [20]، ومن هنا نشأ لدى السلف كراهية شديدة تجاه ظاهرة اللحن، وحَضٌّ على اكتساب العربية والتفقه في مواردها، فالخليفة الراشد عمر يقول: «تَفَقَّهوا في العربية؛ فإنها تُشَبِّب العقل وتزيد في المروءة» [21]. وقال أُبَيُّ بن كعب: «تعلموا العربية كما تتعلَّمون حِفْظ القرآن» [22].

    وهذا قتادة يقول: «لاأسأل عن عقل رجل لم يدلَّه عقله على أن يتعلَّم من العربية ما يُصْلح به لسانه» [23]، أمَّا الأصمعيُّ فيخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النار) لأنَّه لم يكن يلحن، فمهما رَوَيْتَ عنه ولَحَنْتَ فقد كَذَبْتَ عليه» [24].

    وهكذا جَدَّ علماء العربية من السلف، واجتهدوا إلى أن أقاموا صرح علمٍ من العلوم الإسلامية التي لا يَسْتغني عنها أحد من طلبة العلم، وأصبحت العربية من الدين نفسه، وأصبح تعلمها لفهم مقاصد الكتاب والسنة قربة إلى الله، وعدَّ كثير من العلماء تعلُّمها واجبًا على المرء.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية [25]: «واعلم أنَّ اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًا بَيِّنًا، ويؤثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضًا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجب؛ فإنَّ فَهْمَ الكتاب والسنة فرض، ولايُفْهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لايتمُّ الواجب إلا به فهو واجب». وكان أبو عمرو بن العلاء يَعُدُّ العربية من الدين لاتنفصل عنه ولا ينفصل عنها، فبلغ ذلك عبد الله بن المبارك فقال: صدق [26].

    وبذلك تتضح لنا الصورة بجلاء، فعلوم النحو والصرف والإعراب مرتبطة من حيث نشأتها ونشاط أعلامها، بالحرص على لغة القرآن لكيلا يعروَها لحن، والحرص على فهم معاني كتاب الله وتدبُّر آياته.

    [1] مراحل تطور الدرس النحوي 28 .
    [2] المفصل في تاريخ النحو العربي 32 .
    [3] أصول علم العربية في المدينة 286 .
    [4] المستدرك 2 / 439 ، كتاب التفسير، تفسير سورة السجدة. وقال: صحيح الإسناد.
    [5] الجامع لأحكام القرآن1/24. وانظر نزهة الألباء 8.
    [6] طبقات النحويين 28.
    [7] الآية (22) من سورة السجدة ، وانظر : البيان والتبيين 2/218.
    [8] المدارس النحوية 12.
    [9] المفصل في تاريخ النحو 31.
    [10] طبقات النحويين 11.
    [11] إيضاح الوقف والابتداء 1/31.
    [12] مراتب النحويين 24.
    [13] نزهة الألباء 8، والآية (37) من سورة الحاقة.
    [14] المفصل في تاريخ النحو العربي 101.
    [15] انظر : الإيضاح للزجاجي 89، وفيات الأعيان 2/ 535، نزهة الألباء 6.
    [16] المدارس النحوية 18.
    [17] المقدمة 548.
    [18] المقدمة 546.
    [19] المفصل في تاريخ النحو العربي73.
    [20] الإتقان 1/ 146،180، 2/174.
    [21] طبقات النحويين 13.
    [22] تنبيه الألباب 76.
    [23] المصدر نفسه 71.
    [24] معجم الأدباء 1/90، والحديث رواه البخاري في كتاب العلم (فتح الباري1/242) .
    [25] اقتضاء الصراط المستقيم 207.
    [26] معجم الأدباء 1/53.[right]
    avatar
    هشام01


    المساهمات : 20
    تاريخ التسجيل : 05/01/2010
    العمر : 42

    نشأة النحو Empty مجرد رأي

    مُساهمة  هشام01 الخميس يناير 28, 2010 12:22 am

    إن إدراج موضوع كهذا يعتبر عمل طيب يستحق الثناء الجم من كل من إطلع عليه كيف لا وهو ينمي فينا ويدعونا لأن ننمي مفاهيمنا وقدراتنا النحوية والبلاغية خاصة لما يتعلق الأمر بقراءة وتناول القرأن الكريم الذي نحن ملزمون بقراءته وبفهمه وبتطبيقه لأن الخطأ منا فيه يعد تحريفا لمقدس لا يعذر المخطئ في حقه فما بالك بالخطأ العمد ويعتبر عزوف المرء عن تعلم النحو والبلاغة أحد الشروط الأساسية لتناولنا للقرأن الكريم أخذا منا بأسباب الخطأ الغير مغتفر لذا لا يسعني في هذا الرد المتواضع إلا ان أشكر من جادت قريحته علينا بكذا موضوع كما أشكر من أدرجه في المنتدى كما لا يفوتني ان أدعو إخواننا المسلمين الذين يرتعون حول الحمى وهم يوشكون أن يقعوا فيه أدعوهم لأن يحدوا ويسلكوا منهاج السلف الصالح إذا ما أرادوا البعد عن الخطر المحدق بهم وهم قرب ألسن الحمى الذي يرتعون حوله ومن لا يستبدل المنطقة الخطرة بالمنطقة الأمنة إلا من أبى النجاة فاللهم نجنا والمسلمين من سعير جهنم
    "محبكم في الله هشام"
    avatar
    بوعلي


    المساهمات : 90
    تاريخ التسجيل : 10/02/2010
    العمر : 29
    الموقع : الجزائر ولاية أدرار قصر بوعلي

    نشأة النحو Empty شكر

    مُساهمة  بوعلي الخميس فبراير 11, 2010 10:34 pm

    يييييالهه من موووووووووووضضضضوع

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 9:02 pm